{وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ ءامَنَّا بالله فَإِذَا أُوذِىَ فِى الله} أي في شأنِه تعالى بأنْ عذَّبهم الكفرةُ على الإيمان {جَعَلَ فِتْنَةَ الناس} أي ما يصيبُه من أذيتَّهم {كَعَذَابِ الله} في الشدَّة والهولِ فيرتدَّ عن الدِّين مع أنَّه لا قدرَ لها عند نفحةٍ من عذابِ تعالى أصلاً. {وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ} أي فتحٌ وغنيمةٌ {لَّيَقُولَنَّ} بضمِّ اللامِ نظراً إلى معنى مَن كما أنَّ الإفراد فيما سبق بالنَّظرِ إلى لفظها. وقرئ بالفتحِ {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} أي مشايعينَ لكم في الدِّينِ فاشركونا في المغنمِ وهم ناسٌ من ضَعَفةِ المُسلمين كانُوا إذا مسَّهم أذى من الكفَّارِ وافقُوهم وكانُوا يكتمونَهُ من المسلمينَ فردَّ عليهم ذلك بقولِه تعالى: {أَوَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ العالمين} أي بأعلم منهم بما في صدورهم من الإخلاصِ والنِّفاقِ حتَّى يفعلون من الارتدادِ والاخفاءِ عن المسلمين وإدِّعاءِ كونِهم منهم لنيلِ الغنيمةِ. وهذا هو الأوفقُ لما سبقَ ولما لحقَ من قوله تعالى: {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين ءامَنُواْ} أي بالإخلاصِ {وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين} سواء كان كفرُهم بإذية الكفرة أوْ لاَ أي ليجزينَّهم بما لهم من الإيمان والنِّفاقِ {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} بيانٌ لحملهم للمؤمنين على الكفرِ بالاستمالةِ بعد حملِهم لهم عليه بالأذيَّةِ والوعيدِ. ووصفُهم بالكفرِ هَهُنا دونَ ما سبق لما أنَّ مساقَ الكلامِ لبيان جنايتِهم وفيما سبق لبيانِ جنايةِ من أضلُّوه. واللامُ للتَّبليغِ أي قالُوا مخاطبينَ لهم {اتبعوا سَبِيلَنَا} أي اسلكُوا طريقنَا التي نسلكُها في الدِّينِ، عبَّر عن ذلكَ بالاتباعِ الذي هو المشيُ خلفَ ماشٍ آخرَ تنزيلاً للمسلك منزلةَ السَّالكِ فيه أو اتبعونا في طريقتنا في {وَلْنَحْمِلْ خطاياكم} أي إنْ ذلك خطيئةً يُؤاخذ عليها بالبعثِ كما تقُولونَ وإنَّما أَمروا أنفسَهم بالحمل عاطفين له على أمرِهم بالأتَّباعِ للمبالغة في تعليق الحملِ بالاتِّباع والوعدِ بتخفيفِ الأوزار عنهم إن كان ثمَةَ وزرٌ فردَّ عليهم بقولِه تعالى {وَمَا هُمْ بحاملين مِنْ خطاياهم مّن شَىْء} وقرئ: {من خطيآتِهم} أي وما هم بحاملين شيئاً مِن خطاياهم التي التزمُوا أنْ يحملُوا كلَّها على أن مِن الأُولي للتبيين والثانية مزيدةٌ للاستغراق. والجملةُ اعتراضٌ أو حالٌ. {إِنَّهُمْ لكاذبون} حيث أخبروا في ضمنِ وعدِهم بالحمل بأنَّهم قادرون على إنحازِ ما وعدوا فإنَّ الكذبَ كما يتطَّرقُ إلى الكلامِ باعتبار منطوقِه يتطرَّقُ إليه باعتبارِ ما يلزمُ مدلوله كما مرَّ في قوله تعالى: {أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صادقين}